تاريخ التاريخ (قصة التاريخ)
مالتاريخ: لقداعطيت للتاريخ عبر العصور تعريفات عدة منها :
1- معرفةماضي البشرية منذ اصولها الأولى وحتى الوقت الحاضر.
2- المنهج والمادة اللذان يسمحان بصنع ذاكرة العصور ونقلها عبر الأجيال .
3- هو التدوين القصصي لمجموع شؤون البشرية.
4- هوكل ما حدث وكل رواية وتدوين وكل فعالية علمية من فعاليات المعرفة البشرية تتسع ساحتها لكل شؤون الإنسان ....
البدايات الأولى :إن الكتابات الأولى للإنسان نقلت إلينا عن طريق ((الاسطورة)) وهذا يثبت أنه قبل اختراع الكتابة\3500ق.م\ نقل الإنسان شفهيا من جيل إلى جيل بعض من معرفته بل إن ما سجله من صور على الصخر وفي الكهوف كان جزا من قصة حياته.....
وعند ما خرج الإنسان من ((حقبة ما قبل التاريخ)) بفضل اختراع الكتابة أتاح ذلك الحفاظ على دروس الماضي وتجاربه..من باب تدوين الأحداث والحياة اليومية وليس من باب المعرفة الموضوعية .
واحتكر تسجيل التاريخ فئتان : الفئة الحاكمة+ رجال الدين لأنهما الفئتان الوحيدتان القادرتان على استخدام الكتابة ولذلك ظهرت المدونات التاريخية بمظهر مزدوج :
1- مظهر الاسطورة(الأصول الإنسانية- الكون- تمجيد الآلهة وعلاقتها بالناس )
2- مظهر التمجيد والإطراء للملوك وتوارثهم العرش وأخبارانتصاراتهم.
- في الحقيقة كان المصريون القدماء أول من سجل الأخبار على جدران المعابد والقبور وأول حادثة مؤرخة في تاريخ الإنسانية هي((إبداعهم التقويم الشمسي))
حيث كان التاريخ يدرس في المعابد الكبيرة التي كانت أشبه بجامعات العصر الحاضر إلى جانب الهندسة والطب والفلك كمعبد\\ عين شمس ومنف والكرك\\
ومن مؤرخيهم ))روموس والكاتب الملكي أحمس))..
وكذلك كانت حضارتي مابين النهرين وبلاد الشام غنية بتاريخها : فهنا ك
\ألواح سومر+أرشيفات لاغاش+لارسا+ماري +إيبلا +أوغاريت ...\
وإذا ما تجاوزنا الشرق القديم إلى الغرب فهناك((الحضارة اليونانية)) أساس الحضارة الأوربية.فكلمة histoire بالفرنسية وكلمة history بالإنكليزية تعني التاريخ...وهي يونانية الأصل وترتبط في أساسها بالجذرالهندوأوربي((فيد)) ويعني المعرفة...فلفظة هيستور كان يراد بها (الإنسان الخبير المجرب العارف) ومنها أتى فعل هيستوريو أي (البحث عن المعرفة)..
ويبدو هذه المعنى في مقدمة كتاب ((هيرودوت دوهاليكرناسوس))حيث قال:
(هذا عرض للبحث الذي أجراه هيرودوت ليقف حائلا دون أن تندثر الأعمال التي قام بها الناس خلال الزمن) ..
وحتى عندما تخصص التاريخ بمعرفة الماضي فإن الكلمة ظلت تستخدم بمعنى ((المعرفة)) كحديث أفلاطون عن (التاريخ الطبيعي) وكذلك أريسطو في بحثه عن (تاريخ الحيوانات) وتيئوفراستوس عن (تاريخ النباتات)..
وفي الواقع هناك ثلاثة أسماء لامعة في الحضارة اليونانية تتجسد في انتاج أصحابها الخصائص الهامة للبحث التاريخي أيام اليونان وينظر إليهم أنهم واضعوا علم التاريخ وهم: \هيرودوت دوهاليكرناسوس 485-425 ق.م \
\توكيديد يس 460-399 ق.م من أثينا \
\هيلا نيكوس دوميتيلين 479- 395 ق.م من جزيرة ليسبوس \
وثلاثتهم عاصروا ما يسمى في التاريخ اليوناني ((المعجزة الاغريقية)) أي زمن ((( بركليس...سوفوكليس....أوريبيد س...فيدياس...سقراط ....السفسطائيين الكبار)))....
1- هيرودوت دوهاليكرناسيوس:
أسماه (شيشرون) أبا التاريخ ......حيث كان أول من ترك ميدان الاساطير والأوهام وميدان الآلهة والأبطال الخرافيين ليلتفت الى الزمن الواقعي والمشخص القريب منه.....فقد كرس جهده للبحث في ((الحروب الميدية)) وعواملها .....
وجاء(توكيديد يس) لدراسة الحروب ((البيلوبونيز) ..
إن ما قدمه (هيرودوت) ليس دراسة نقدية وعلمية ولكن ما أتى به هو محاولة للتفسير والتعليل والأسباب التي دفعت الاغريق والفرس إلى التحارب حيث أنه سعى نحو المبدأ الأول من مبادئ العلم الوضعي...
وإن عبارته المأثورة ((مصر هبة النيل)) شاهد على هذا المنحى ويمكن القول أنه كان مؤرخا في محاولاته لإعادة بناء حقيقة الأحداث الماضية كما عيشت في الماضي............
2-توكيد يد يس :
برهن أن المعرفة التاريخية قد نمت وقدم تركيب تاريخي محكم فسر فيه الحوادث بالظروف الجغرافية وتجاوز طريقة السرد البسيط للأحداث فبفضله غدت الحروب ((البيلوبنيزية))أكثر ادراكا ولها تفسير عقلاني...
3-هيلانيكوس دوميتيلين :
لقد مثل ميدان الدراسة التاريخية (تقنية التاريخ )لها قطبين :
1- الجهد المبذول لفهم الماضي وتفسيره والتغلغل في أعماقه
2- العمل الدؤوب لجمع الوثائق ونقدها وتصنيفها
حيث قدم (لوحة أخبارية زمنية) غاية في دقة أحداثها ....وكان أول من كتب (تاريخ أثينا) كما قدم نوعا جديدا من التأ ليف التاريخي وهو(المنوغرافيا) أي دراسة مدينة أو اقليم أو سيرة شخص.......
-في العهد الهيلينستي والروماني :في هذه الرحلة بدا واضحا الفرق بين سرد الأحداث الهزلية والبدائية وبين المعرفة الموثقة والدقيقة للتاريخ..
بوليبيوس: 200ق.م-120ق.م (من مدينة ميغالبوليس):
عاصر بلوغ روما أوج قوتها بعد انتصارها على (قرطاجة) فقد آمن (بالتاريخ الذرائعي) أي الفضائل التربوية للتاريخ واعتمد في تدوينه للتاريخ على صدق الحقائق التاريخية....حيث أن التاريخ يفقد أهميته إذا ما انتزعت منه الحقيقة ولا يبقى منه إلاقصةلا قيمة لها...واكد على متابعة أسباب الحوادث والتمييز بين الظاهرة والمباشرة ..وأخرج التاريخ من نطاق الزخرفة الكلامية إلى الأسلوب العقلاني الدقيق......فقداستطاع ان ينشر النص الحقيقي للمعاهدات بين روما وقرطاجة.......وفسر كيف استطاع الرومان خلال (53 عام)من الحروب البونية أن يستولوا على العالم المسكون أنذاك فقد عمل مؤرخا حقيقيا سبق غيره في التفسير والأسباب والنتائج.......
وجاء انصباب الثقافات الشرقية في الثقافة اليونانية ليدخل تأثير التقاليد الشرقية في التاريخ اليوناني .....وذلك بفضل((مانيتون المصري)) كاهن ومؤرخ زمن بطليموس الثاني و((بيروز الكلداني))مؤرخ فلكي عاصر الإسكندرالمقد وني
و((فيلون الجبيلي)) مؤرخ يوناني عاش في جبيل السورية وغيرهم ....فظهر نتيجة ذلك مضمون (التاريخ العالمي)....
وجاء العهد الروماني فكان استمرارا لها ومن أبرز المؤرخين الرومان ((سالوست86ق.م-34ق.م) و(تيت ليف 59ق.م-17م) و(تاسيتوس55م-120م)
و((اميانوس مارسيلينوس327م-391م))...
دورالديانة المسيحية :كلمة (الإنجيل)تعني (الحدث الطيب) حيث كان عليها أن تبشر بالتدخل المنقذ والمخلص للاله في التاريخ الإنساني...ومن ناحية ثانية كان عليها التصدي لهجمات الوثنية ضدها وقد نجم عن هذا عمل تاريخي ضخم وضعه ((أوزيب القيصري)) وأسماه (القواعد الزمنية وخلاصة التاريخ العام للهيلينين والبربر)....
فالمسيحية كانت عاملا هاما في تنشيط البحث التاريخي بل حملت في معتقدها ما سمي أيام ((فولتير)) و((كوندوروسه))و((هيغل))...(بفلسفة التاريخ) حيث أكدت أن التاريخ البشري بمجموعه وشموله يحمل معنى ومغزى وتفسير وهدف كبير ويدفع الفكر الإنساني للبحث في القضية الكبرى وهي (تطورالإنسان).......
أما في العصور الوسطى :
يلاحظ أن التاريخ قدمر بمرحلة كسوف فتحول إلى أخبار مسرودة وروايات مكتوبة وشفوية واعتمدوا على الملاحظة في كتاباتهم دون التفسير العلمي والتدقيق والتحليل......وظل التعليل (الميتافيزيقي) سائدا في التاريخ حتى القرن السابع عشر وبدا ذلك واضحا فيما كتبه ((بوسوه)) المؤرخ الفرنسي في مؤلفه ((المقالة في التاريخ العالمي)) حيث أوضح أن الثورات قدنظمت نفسها بالقدرة الإلهية......
وخلاصة القول أن دخول مبادئ (التيولوجيا)(علم الإلهيات) في تطور التاريخ في العصور الوسطى قد أعاق تطوره من جديد...
تطورتاريخ التاريخ عند العرب :إن كلمة ((التأريخ))بالهمزو((التاريخ))بتسهيل الهمز و((التوريخ)) كلها ألفاظ بالعربية ترادف كلمة (histoire) بالفرنسية ولايعرف بالضبط متى استخدمت هذه الكلمة بالعربية.......
ويرجح الباحثون أنها من أصل سامي ومن اللهجة العربية الجنوبية...وتعني في أصالتها الأولى ((القمر)) وهو التوقيت بالقمر أوبتعبير آخر (الشهر )والليلة من الشهر عن طريق ملاحظة القمر ثم انتقل هذا المعنى للدلالة على الليلة والشهر في كل الوثائق ثم اكتسبت معنى ((الكتابة التاريخية)) وقد رسخت بهذا المضمون في القرن الثاني للهجرة الثامن الميلادي....ويبدو أنها أخذت دلالتها من كتب التاريخ الأولى التي كانت تحتوي تحديدا زمنيا...كتراجم الأشخاص وولاداتهم ثم تبعها كتب الحوليات..وكل ما كتب في ميدان التاريخ...
كان العرب قبل الإسلام يؤقتون بالنجوم والأهلة ..ويؤرخون بالنسبة للحوادث العظام في تاريخهم (كعام الفيل وبناء الكعبة ويوم ذي قار و.....و.....)
وعملوا على استذكار تاريخهم ونقله من جيل إلى جيل عبر الرواية الشفوية في أشعارهم وأخبارهم أو عبر التدوين ومن أشهر من دون الأخبار (بلاد الجنوب اليمن _ الغساسنة – المناذرة – الأنباط )....ويقول الهمداني في كتابه ((الإكليل)) أنه قرأ (زبر حمير القديمة ومساندها الدهرية) وهذا يعني أنه كان لعرب الجنوب (زبر)أو (صحائف) دونوا فيها أخبارهم...
وقد ورد أن ((النعمان ملك الحيرة))أمر بنسخ أشعار العرب فدونت له على
(الطنوج) ((الكراريس)) ثم دفنها في قصره الأبيض....
ودونت أخبارهم بالخطوط : (الليحانية الثمودية النبطية.......)
مجيئ الإسلام.........:
بقي هذا الحال حتى ظهرت الرسالة الإسلامية في قلب الجزيرة العربية وتحديدا زمن الخليقة الراشدي ((عمر بن الخطاب )) حيث اتخذ بداية (للتأريخ الإسلامي) ((عام الهجرة)) وبذلك نشأ ما يسمى (التقويم الهجري) معتمدا على التقويم القمري وحده ..واعتبر أول محرم بداية للسنة الهجرية //الموافق 15 تموز 622 م//...
فالقرآن الكريم نفسه حوى تاريخ الرسالة الإسلامية وربطها برسالات الأنبياء قبل محمد(ص) وبتاريخ أقوام وأمم عريقة في القدم حيث ركز المؤرخون على (القرآن الكريم) والرسائل التي بعثها (الرسول الكريم ص) إلى الملوك وشيوخ القبائل وكذلك على الاتفاقيات التي عقدها......فالمسلمين الأوائل لم يدونو تفاصيل أحداثهم ولاظروف ماضيهم : لعدم حاجتهم لذلك وبسبب وجود (الرسول ص) بين ظهرانيهم ولأن (القرآن) كان هو تاريخهم الكبير..(وتاريخ الوجود الكوني).......
فقد حفظوا الآيات والأحاديث في صدورهم........
وعلى الرغم من وجود تدوين أولي على نطاق ديني أو شخصي إلا أنه لم يأخذ شكل التدوين الحقيقي والدقيق إلا في القرن(الثاني الهجري السابع الميلادي),
ومن أشهر مؤرخي الإسلام ((الطبري))وكتبه : (تاريخ الأمم والملوك).وكتابه في (تفسير القرآن الكريم)..
((ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن خلدون))وكتابه (العبر وديوان المبتدأ والخبر)وهو من واضعي أسس النقد التاريخي ..
((علي بن الحسين بن علي المسعودي))وكتابه(مروج الذهب)
((ابن خلكان))وكتابه(وفيات الأعيان)
بعد ذلك بدأ التفصيل الدقيق لمنهجية البحث التاريخي ....فبدأت كتب الأحاديث النبوية...وكتب تفاسير القرآن الكريم .......وكتب عدة ((للسيرة النبوية)).....والتراجم ....وكتب الأعلام....وكتب الأنساب.......والمغازي والفتوح......
ونذكر بعضا من أشهرها :
كتب السيرة : ابن هشام ..ابن اسحاق
طبقات الصحابة : محمد بن سعد
كتب التراجم : معجم الأدباء (لياقوت الحموي)
كتب المغازي والفتوح :فتوح البلدان (أحمدبن يحيى البلاذري)
تاريخ البلدان : تاريخ بغداد (للخطيب البغدادي)
تاريخ دمشق(ابن عساكر)
كتب التاريخ: ذكرنا الطبري وابن خلدون والمسعودي
وهكذا نرى أن علم التاريخ عند المسلمين قد نما تدريجيا من بذرة صغيرة استندت في بدايتها على الرواية الشفوية وبعض الروايات الكتابية إلى شجرة باسقة كثيرة الفروع ناضجة الثمر وغزيرة .....
فما وصلنا في وقتنا الحاضر من تدوين تاريخي زمني ومكاني مؤرخ وموثق في أجمل لوحة مرسومة ومزينة بألوان الماضي العريق....هو نتاج قرون غابرة ...نتاج أقلام خشبية...وأقلام ريش سنبقى نذكر أصحابها...بكل فخر لأجيالنا القادمة بأنهم سطروا تاريخ المعرفة البشرية.....تاريخ الإنسان.....
فالتاريخ : هو أقدم العلوم الإنسانية زمنا .......
قدم هذا البحث بموضوعية موثقة بشكل دقيق واختصرت الكثير منه
ووقفت على الهام منه ثم الأهم من أعلام وغيرهم ...
أرجو الغاية...والله ولي التوفيق
الرئيسية
